يعد زيت جوز الهند coconut oil من الزيوت التي تعبق بالرائحة الاستوائية، والتي تستخدم في علاج العديد من مشاكل البشرة وأيضاً الشعر، حيث يتم تطبيقها على فروة الرأس للاستفادة من فوائده، والجدير بالذكر أن زيت جوز الهند أصبح يستخدمه المشاهير كوجبة خفيفة، لكن يبقى السؤال هنا، هل زيت جوز الهند: صحي أم غير صحي؟
فعلى مدى السنوات الطويلة عانت الدهون من سمعة سيئة، وظهرت تحذيرات كثيرة من ضمنها اختيار عناصر غذائية قليلة الدسم
ولكن في ظل التطورات والانفتاح العلمي أصبح ينظر إلى الدهون نظرة جديدة مختلفة، حيث أصبحت الحياة أبسط فبدلاً من ترك الدهون بالكامل تعلمنا كيفية تجنب الدهون السيئة التي تؤذي الجسم، والاستفادة من الدهون الجيدة التي لا تشكل أي تأثيرات سلبية على الجسم والشرايين بصفةٍ خاصةٍ.
لم تمضي الأمور على تلك الوتيرة لفترة طويلة، حيث عاد الجدال حول زيت جوز الهند مرة أخرى عام 2003، حيث أعتبره البعض الغذاء المعجزة Superfood والبعض الأخر لا يعتبره كذلك، ولكن حسمت جمعية القلب الأمريكية American Heart Association AHA أخيراً الأمر بشأن هذا الموضوع، حيث أشارت إلى أن زيت جوز الهند هو جزء من الدهون غير الصحية.
و لذلك فما هي الحقائق العلمية الكامنة وراء الضجيج حول زيت جوز الهند، وهل زيت جوز الهند: صحي أو غير صحي ؟، وما هي آخر التطورات التي تمت في هذا الموضوع؟
العنصر السري في زيت جوز الهند: "الأحماض الدهنية متوسطة السلسلة"
تم التوصل للعديد من الفوائد الصحية لزيت جوز الهند بفضل الأبحاث التي نشرت بواسطة الدكتورة ماري بيير سانت أونج Marie-Pierre St-Onge أستاذ الطب الغذائي في جامعة كولومبيا التابعة لمدينة نيويورك عام 2003.
وقد وجدت البروفيسورة سانت أونج أن استهلاك الأحماض الدهنية متوسطة السلسلة كتلك الموجودة في زيت جوز الهند لدى النساء اللاتي يعانين من وزن زائد، يؤدي إلى استهلاك طاقة أكبر وأكسدة الدهون، بالمقارنة بالنساء الأخريات اللاتي يستهلكن أحماض دهنية طويلة السلسلة أو مشبعة long-chain or saturated fatty acids.
والجدير بالذكر أن البروفيسور سانت أونج استخدمت نظام غذائي خاص في دراستها غير زيت جوز الهند، ولم تصرح أبداً بأن زيت جوز الهند هو السر في النجاح الذي وصلت إليه أبحاثها.
وفي الواقع ، أظهرت دراسة أجريت عام 2009 شملت 40 امرأة أن 30 ملليلتر من زيت جوز الهند - تستهلك يومياً لمدة 12 أسبوعاً - زادت مستويات البروتين الدهني عالي الكثافة ( High-Density Lipoprotein HDL) الجيد ، مصحوبة بانخفاض في محيط الخصر.
ومن خلال هذه الدراسات أصبحت الصورة أكثر وضوحاً فيما يتعلق بهذا الأمر.
جمعية القلب الأمريكية AHA ومنظمة الصحة العالمية تنصح بالحد من استهلاك زيت جوز الهند
على الرغم من وجود العديد من الدراسات التي أوضحت فوائد زيت جوز الهند والتي كانت إيجابية بدرجة كبيرة، فقد أصدر AHA بياناً إرشادياً لها تنص فيه على ضرورة استبدال الدهون المشبعة التي من الممكن أن تؤدي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بدهون أخرى غير مشبعة تكون صحية أكثر، والتي يعد زيت جوز الهند إحداها.
وقد أكدت منظمة الصحة العالمية أيضاً على أن الدهون غير المشبعة الموجودة في أطعمة مثل "السمك، الأفوكادو، عباد الشمس، المكسرات، وزيت الكانولا، وزيت الزيتون"، تعد أفضل كثيراً من الدهون المشبعة التي يحتوى عليها "زيت النخل، القشطة، الجبن، السمن، الزبدة، اللحوم الدهنية" وغيرها من الأطعمة الأخرى، ويرجع السبب في هذا الأمر إلى مدى خطورة الدهون المشبعة على القلب والأوعية الدموية في جسم الإنسان.
وعلى الصعيد نفسه يعتقد أن البروتين الدهني منخفض الكثافة (Low-Density Lipoprotein LDL) المعروف كذلك بالكوليسترول الضار Bad cholesterol، يحظى بقبول كبير على أنه صحي للجسم، ولكن في عام 2017 تم إجراء ثلاث دراسات يحتمل أن تحوِّل معتقداتنا تماماً عن الدهون والكوليسترول. فقد أشارت الدراسة الأولى إلى عدم قدرة الدهون المشبعة على سد الشرايين والأوعية الدموية كما يعتقد جميع الناس، أما الدراسة الثانية فكانت على النقيض تماماً، حيث أشارت إلى وجود علاقة بين HDL "الجيد" وبين الوفيات.
وأخيراً فقد ظهرت الدراسة الثالثة في نوفمبر 2017 لتقول بأن ارتفاع مستويات HDL قد لا تحمينا من أمراض القلب، كما كنا نعتقد في البداية.
ما هو الجديد حول هذا الأمر؟
من أهم المشكلات التي كانت سبباً في الجدال الكبير حول موضوع زيت جوز الهند، هو عدم وجود دراسة بشرية فعلية تم إجرائها على نطاق واسع حول هذا الموضوع، لذلك قام فريق البي بي سي "ثق بي أنا طبيب" BBC's "Trust me I'm a Doctor" team ، بعمل دراسة جديدة حول هذا الموضوع تحت إشراف الدكتور كاي تي خاو Kay-Tee Khaw أستاذ علم الشيخوخة السريري، بالاشتراك مع الدكتورة نيتا غاندي فوروهي Nita Gandhi Forouhi ، أستاذة صحة السكان والتغذية في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، وقد قامت هذه الدراسة بالتركيز بشكل أساسي على إجراء مقارنة بين أثر كلا من زيت جوز الهند وزيت الزيتون و الزبدة، على عينة من الأشخاص ضمت 94 متطوع.
ومن ضمن الإجراءات التي تمت في هذه الدراسة، أنه تم تقسيم المتطوعين أو العينة إلى ثلاث مجموعات، الأولى تستخدم 50 جرام من زيت الزيتون يومياً لمدة أربع اسابيع، أما الثانية فيستخدم كل شخص فيها 50 جرام من زيت جوز الهند لمدة أربع أسابيع أيضاً، ونأتي للمجموعة الثالثة وفيها سوف يستخدم كل شخص 50 جرام من الزبدة في المدة نفسها.
وبعد انتهاء الأسابيع الأربعة، تم إحصاء النتائج والتي كانت مفاجئة بدرجة كبيرة، حيث وجد أن المجموعة التي استهلكت زيت جوز الهند زاد لديها مستويات HDL بمعدل 15%، أما المجموعة التي استخدمت زيت الزيتون ارتفعت لديها هذه النسبة بمعدل 5% فقط، الأمر الذي يؤكد عدم وجود خطورة لهذه الزيوت على صحة القلب والاوعية الدموية كما كان يعتقد، فنسبة مثل 15% و5% تعتبر معقولة لصحة القلب والأوعية الدموية.
لذلك إذا عملنا على فرضية أن HDL جيد لصحة القلب والأوعية الدموية، فسوف نصل إلى أن هذه النتائج هي في صالح زيت جوز الهند.
ولكن رغم ذلك لابد من تذكر أن هذه النتائج لازالت أولية ولا يمكننا الجزم بصحتها بشكل قطعي بعد.
إذاً هل زيت جوز الهند: صحي أم غير صحي؟
من الصعب وضع إجابة محددة لهذا السؤال في الوقت الحالي، فموضوع صحية زيت جوز الهند أو عدم صحيته شأنه شأن جميع مجالات البحث الأخرى، التي لم يتم إلى الأن التوصل إلى إجابة حاسمة بشأنها.
وبالتالي فإن كل ما يمكننا فعله هو أن نخبرك بأنك إذا أردت البحث عن طرق لإنقاص وزنك الزائد، فأعلم أن زيت جـوز الهند يحتوي على كمية كبيرة جداً من الدهون المشبعة، و أن ملعقة واحدة فقط منه تحتوى على 120 سعرة حرارية، أما إذا كنت من الأشخاص الذين يتبعون طرق الحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية، فأعلم أنه -إلى الآن- لازالت منظمة الصحة العالمية تضع زيت جوز الهند ضمن قائمة الزيوت التي لابد من الحد منها.
ومن يعلم لربما ظهرت تطورات أخرى تثبت خطأ المنظمة بخصوص هذا الأمر، لذلك لا ضير من جعل زيت جوز الهند جزء من نظامك الغذائي الصحي حتى يتم إثبات عكس هذا الأمر.