تسارع ميكروبات الأمعاء لأداء الكيمياء التي لا يستطيع الإنسان فعلها.
تعتبر المرة الأولى التي تعامل فيها الطاهي فايو ماين ركدال Vayu Maini Rekdal مع الميكروبات هي عندما جهّز خبزاً مخمراً مناسباً.
وفي ذلك الوقت لم يفكر الشاب ماين ريكدال ، ومعظم الناس الذين يتوجهون إلى المطبخ لتكوين صلصة السلطة أو الفشار المفرقع أو الخضار المخمرة أو البصل بالكراميل في التفاعلات الكيميائية الأساسية وراء هذه التحضيرات.
والأهم من ذلك هو ردود الفعل التي تحدث بعد تنظيف الأطباق. فعندما تنتقل شريحة من العجين المخمر عبر الجهاز الهضمي، فإن تريليونات من الميكروبات التي تعيش في الأمعاء تساعد الجسم على هضم هذا الخبز لامتصاص العناصر الغذائية.
ونظراً إلى أن جسم الإنسان لا يستطيع هضم مواد معينة - على سبيل المثال الألياف المهمة جداً - فإن الميكروبات تسارع لأداء الكيمياء التي لا يستطيع الإنسان فعلها.
يمكن لميكروبات الأمعاء التهام الأدوية أيضاً
يقول ماين ريكدال ، وهو طالب دراسات عليا في مختبر البروفيسور إميلي بالسكوس Emily Balskus والمؤلف الأول عن الدراسة الجديدة التي نشرت في مجلة العلوم Science : "لكن هذا النوع من الأيض الميكروبي يمكن أن يكون ضاراً أيضاً".
ووفقاً لماين ريكدال يمكن لميكروبات الأمعاء التهام الأدوية أيضاً ، وغالباً ما تكون لها آثار جانبية خطيرة، ويضيف ماين ريكدال:" ربما لن يصل الدواء إلى هدفه في الجسم وربما سيصبح ساماً بشكل مفاجئ و سيكون أقل فائدة".
البكتيريا المسؤولة عن تفكيك و التهام الدواء عند مرضى باركنسون
وصف كل من بالسكوس Balskus وماين ريكدال Maini Rekdal والمتعاونون معهم في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو University of California San Francisco ، في تلك الدراسة ، أحد الأمثلة الملموسة الأولى للآلية التي يمكن للميكروبيوم أن يتداخل مع المسار المقصود للدواء خلال الجسم.
وفي أثناء تركيزهم على ل-دوبا (L-dopa), في دراستهم وهو العلاج الأساسي لمرض باركنسون (شلل الرعاش) قاموا بتحديد البكتيريا المسؤولة عن تفكيك و التهام الدواء، وكذلك كيفية وقف هذا التدخل الميكروبي.
حيث يهاجم مرض باركنسون، الخلايا العصبية في الدماغ التي تنتج الدوبامين (وهو مركب موجود في الجسم كناقل عصبي )، والتي بدونها يمكن أن يعاني الجسم من الارتعاش وصلابة العضلات ومشاكل في التوازن والتنسيق. و يقوم L-dopa بتوصيل الدوبامين إلى الدماغ لتخفيف الأعراض، ولكن ما تتراوح نسبته من 1% إلى 5٪ فقط من الدواء يصل بشكلٍ فعليٍ إلى الدماغ.
ويختلف هذا الرقم وفعالية الدواء بشكل كبير من مريض لآخر.
فمنذ استخدام L-dopa في أواخر الستينيات عرف الباحثون أن إنزيمات الجسم (الأدوات التي تقوم بالتفاعلات الكيميائية اللازمة) يمكنها تفكيك L-dopa في الأمعاء ، مما يمنع الدواء من الوصول إلى الدماغ.
لذلك أدخلت صناعة الأدوية دواءً جديداً ، كاربيدوبا carbidopa لمنع الأيض L-dopa غير المرغوب فيه، وعند الأخذ بعين الاعتبار عمل الإنزيمات والأدوية معاً فإن العلاج سينجح .
مزيد من الدواء و مزيد من الآثار الجانبية
وقد قال ماين ريكدال : "رغم ذلك هناك الكثير من عمليات الأيض، والتي تعتبر غير مفسرة، وهي كذلك متباينة جداً بين الناس." وهذا التباين يعد مشكلة: فلا يعد الدواء أقل فعالية لبعض المرضى فحسب ولكن عندما يتحول L-dopa إلى الدوبامين خارج الدماغ ، يمكن للمركب أن يسبب آثاراً جانبية ، بما في ذلك ضيق شديد في الجهاز الهضمي وعدم انتظام ضربات القلب.
فإذا وصلت كمية قليلة من الدواء إلى الدماغ فغالباً ما يتم إعطاء المرضى المزيد من الدواء لمعالجة أعراضهم مما قد يؤدي إلى تفاقم هذه الآثار الجانبية.
تكهنات للسبب وراء التهام البكتريا للدواء..
وقد يكون تكهن ماين ريكدال حول الميكروبات هو السبب وراء اختفاء L-dopa. ومنذ أن أظهرت الأبحاث السابقة أن المضادات الحيوية تعمل على تحسين استجابة المريض لـ L-dopa تكهن العلماء بأن البكتيريا قد تكون السبب في ذلك. ومع ذلك لم يستطع أحد تحديد أي الأنواع البكتيرية التي يمكن أن تكون هي المسؤولة أو كيف ولماذا تلتهم الدواء.
ولذلك بدأ فريق بالسكوس Balskus في التحقيق، فقد كانت الكيمياء غير المألوفة (تحول الـ L-dopa إلى الدوبامين) أول فكرة تراودهم.
إذ أن القليل من الإنزيمات البكتيرية يمكنها إجراء هذا التحويل. ولكن هناك عدداً كبيراً منها ترتبط بالتيروزين tyrosine وهو حمض أميني مشابه لـ L-dopa ، وواحدة من تلك الميكروبات الغذائية التي غالباً ما توجد في اللبن والمخللات (Lactobacillus brevis) هي التي يمكنها قبول كل من التيروزين و الـ L-dopa
مزيد من الدراسات..
وقد قام ماين ريكدال وفريقه عن طريق الحمض النووي البكتيري، و باستخدام مشروع الميكروبيوم البشري كمرجع،
ببحثٍ مهمٍ لتحديد الميكروبات المعوية التي تحتوي على جينات لتشفير إنزيم مشابه. حيث أن عدة ميكروبات تناسب معاييرهم ولكن سلالة واحدة فقط وهي المكورات المعوية البرازية (E. faecalis) -وهي بكتريا إيجابية للجرام تعيش في المناطق المعدية المعوية للبشر والثدييات الأخرى- كانت قد أكلت كل الـ L-dopa في كل مرة.
ومع هذا الاكتشاف قدم فريق البحث، أول دليلٍ قويٍ يربط بين المكورات المعوية البرازية و بين أنزيم البكتيريا (التيروزين ديكاربوكسيلاز التي تعتمد على PLP أو TyrDC) بأيض L-dopa .
ومع ذلك فإن الإنزيم البشري يمكنه تحويل الـ L-dopa إلى الدوبامين في الأمعاء، وقد تم تصميم نفس رد الفعل لكاربيدوبا لوقف ذلك التحويل. وقد تساءل فريق البحث حول إنزيم المكورات المعوية البرازية E. faecalis بشأن عدم نجاته من وصول الكاربيدوبا؟
فعلى الرغم من أن الإنزيمات البشرية والبكتيرية تؤدي نفس التفاعل الكيميائي، إلا أن البكتيريا تبدو مختلفة بعض الشيء. إذ أن ماين ريكدال، تكهن أن كاربيدوبا قد لا تكون قادرة على اختراق الخلايا الميكروبية أو أن التباين الهيكلي الطفيف يمكن أن يمنع الدواء من التفاعل مع الانزيم البكتيري.
وإذا كان هذا صحيحاً فإن العلاجات الأخرى التي تستهدف المضيف قد تكون غير فعالة لمثل مكائد (مؤامرات) ميكروبية مماثلة.
ولكن قد لا يهم السبب كثيراً، حيث أن بالسكوس Balskus وفريقها قد اكتشفت جزيئاً قادراً على تثبيط الإنزيم البكتيري.
ويضيف ماين ريكدال :"إن الجزيء يتخلص من عملية الأيض البكتيري غير المرغوب بها دون قتل البكتيريا، حيث أنه يستهدف فقط إنزيماً غير ضروريٍ".
ويمكن أن توفر هذه المركبات المماثلة مكاناً لبدء تطوير عقاقير جديدة لتحسين علاج الـ L-dopa لمرضى باركنسون.
أول دليلٍ قويٍ يربط بين المكورات المعوية البرازية و بين أنزيم البكتيريا
لم يتوقف فريق البحث عند ذلك الجزيء، ولكن بدلاً من ذلك فقد واصلوا البحث للكشف عن خطوة ثانية في عملية الأيض الميكروبي لـ L-dopa. فإنه بعدما يقوم إنزيم المكورات المعوية البرازية بتحويل الدواء إلى الدوبامين ،
فإن الكائن الثاني يحول الدوبامين إلى مركب آخر وهو ميتا ثيامين meta-tyramine ، و للعثور على هذا الكائن الحي الثاني ترك ماين ريكدال الكتل الميكروبية الموجودة في عجين أمه لتجربة عينة برازية. حيث أنه أخضع مجتمعه الميكروبي المتنوع للعبة الداروينية (المتعلقة بنظريات تشارلز داروين)، حيث قام بإطعام الدوبامين إلى عدد كبير من الميكروبات لمعرفة أيهما يتكاثر..
وفاز Eggerthellalenta (هو أحد مسببات الأمراض الناشئة التي لم يتم التعرف عليها بسبب الصعوبات التاريخية لتحديد المظهرية)، هذه البكتيريا تستهلك الدوبامين وتنتج ميتا تيرامين كمنتج ثانوي. وهذا النوع من التفاعل يمثل تحدياً حتى بالنسبة للكيميائيين،
و يؤكد ماين ريكدال قائلاً:" لا توجد هناك طريقة للقيام بذلك بشكل مناسب، ولم يكن معروفاً في السابق أي إنزيمات هي التي قامت بهذا الرد الدقيق".
فيمكن أن يساهم المنتج الثانوي للميتا ثيامين في بعض الآثار الجانبية الضارة لـ L-dopa ، لذلك ينبغي القيام بمزيد من البحوث. ولكن بغض النظر عن الآثار المترتبة على مرضى باركنسون، فقد يثير الكيان الكيميائي لإنزيم المكورات المعوية البرازية مزيداً من الأسئلة منها:
لماذا تتكيف البكتيريا مع استخدام الدوبامين؟
وأي البكتيريا تكون مرتبط عادةً بالدماغ؟
وماذا يمكن أن تفعل أمعاء الميكروبات؟
وهل تؤثر هذه الكيمياء على الصحة؟
وفي هذا السياق قالت بالسكوس:" كل هذا يشير إلى أن ميكوبات الأمعاء قد تسهم في التباين المثير الذي لوحظ في الآثار الجانبية والفعالية بين مختلف المرضى الذين يتناولون الـ L-dopa".
ولكن هذا التدخل الميكروبي قد لا يقتصر على L-dopa ومرض باركنسون (مرض الشلل الرعاشي)، حيث يمكن أن تقوم دراستهم بتوجيه عمل إضافي لاكتشاف.... ما هو الشيء الموجود بالضبط في الأمعاء؟
وما الذي يمكنه القيام به؟
وكيف يمكنه التأثير على الصحة سواء للأفضل أو للأسوأ؟
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
آلام المعدة : ما هي أسباب ألم القسم العلوي للمعدة؟
بكتيريا الأمعاء تؤثر على المزاج ، و تمنع الاكتئاب
ميكروبات الأمعاء و دورها في الحفاظ على كتلة العضلات حتى مع التقدم بالعمر