إن ما ينطبق على الصداقة قد ينطبق ايضاً على الحب، فما نبحث عنه في العلاقات ليس الحب فعلاً، وإنما الألفة، والشيء نفسه ينطبق بالضبط على الصداقة .
أيمكننا أن نتحدث؟
هؤلاء الأصدقاء يعكسون عيوبك بطرق لا يمكنك رؤيتها
حضرت ورشة للتأمل في مدينة نيويورك قبل عامين. وفي تلك الورشة ارتبطت على الفور بفتاة كنت جالساً بجانبها، وأصبحنا أصدقاء بسرعة. ثم ذهبنا لتناول العشاء في تلك الليلة وتحدثنا لساعات، وعندما أتيت إلى المدينة للعمل كنا نلتقي ونقضي اليوم معاً، وبعد ذلك قابلت صديقاتها وهي قابلت أصدقائي.
لقد تحدثنا مطولاً عن حياتنا، وكنا مثل أفضل الأصدقاء عندما تقابلنا من النظرة الأولى – إلى أن لم نصبح كذلك بعد.
إذ أنه بعد أسابيع قليلة فقط من اجتماعنا تلاشت صداقتنا. حيث أنه لم يحدث شيء "سيء"، ولم يمر بيننا أحداث مثيرة أو عاطفية غير متوقعة ولم يكن هناك مشاعر مؤلمة، لقد انشغلنا فقط وأكملنا حياتنا.
ما لم أكن أعرفه آنذاك هو أننا بالفعل أسدينا لبعضنا البعض خدمة مهمة لحياتنا.
ففي الأسابيع التي كنا نتحدث فيها لساعات في كل مرة، كنا نتحدث في كثير من الأحيان عن شيء واحد فقط وهو: علاقاتنا الفاشلة التي مررنا بها في الآونة الأخيرة.
لقد أدركت شيئاً مهماً حول مسار العلاقة التي كنت أعيشها في ذلك الوقت. فكنت أنا وهذه الصديقة الجديدة التي صادفتها قد مررنا بمواقف متطابقة تقريباً مع أصدقائنا السابقين، وأنهينا تلك العلاقات لنقرر فيما إذا كنا نريد المحاولة مرة أخرى لتكوين علاقة أم لا.
كلما أخبرني صديقي عن علاقة تلك الفتاة مع شريكها كلما ظننت أنها ساذجة وغير منسجمة بشكل واضح وأنه لابد لها من إنهاء هذه العلاقة.
لم أكن أراها في ذلك الوقت لكنني أدركت الآن أن حالتها كانت عبارة عن انعكاس لحالتي، وكانت النصيحة التي أردت أن أقدمها لها هي، عبارة عن انعكاس لما كنت في أمس الحاجة إليه لإسماعه لنفسي.
فما نبحث عنه في العلاقات ليس الحب فعلاً، وإنما الألفة، والشيء نفسه ينطبق بالضبط على الصداقة.
إن صداقتنا لم ترسم عن طريق الصدفة، حيث أنه كانت هناك حاجة نفسية عميقة وغير واعية قدمناها لبعضنا البعض. وعندما راجعت الصداقات الأخرى القليلة الخاصة بي والتي كشفتُ عنها، لاحظت وجود نمط مثير للقلق.
يعتقد جون جوتمان John Gottman أن العثور على صديقك الحميم ليس لقاءاً عشوائياً أو صدفة يدبرها القدر، بغض النظر عن قصص الأفلام التي تشاهدها وربما تصدقها.
ويفترض أن شريكك المثالي هو في الواقع مجرد شخص يتطابق مع "خريطة الحب" الخاصة بك، وهي عبارة عن مفهومك اللاوعي لمطابقة المثالية.
ولكن في ظل تفكيرنا اللاواعي فإن تفضيلاتنا للعلاقة ليست دائماً أشياء جميلة مثل الاستقرار المالي أو الجاذبية النسبية أو التواصل الجيد.
فما نسعى إليه قد يكون أيضاً انعكاسُ لأعمق احتياجاتنا وأبرزها.
وعلى سبيل المثال يميل أطفال الآباء المطلقين إلى اتخاذ مواقف سلبية أكثر، تجاه الزواج ككل، وسيكونون في النهاية أقل
"تفاؤلاً بشأن احتمالية زيجات مرضية طويل الأمد".
وإن ميولهم هذه ليس بسبب أنهم ملعونين؛ ربما لأن انفصال آبائهم يعد جزءاً من خريطة الحب الباطن، فإن أول ما عرفوه بالحب هو الانفصال أو ربما الهجر، وقد أصبح هذا جزءاً من مفهومهم "للحب" حتى لو لم يكن كبيراً.
وهذا يمكن أن يفسر أيضاً سبب أن بعض الأطفال عندما يكبروا يقيمون علاقات مع مدمنين، وذلك أن آباءهم كانوا مدمنين. وبشكل لا واعٍ قد يكون القصد من تلك العلاقة هو محاولة شفاء شريكهم بالطريقة التي لم يتمكنوا بها من شفاء آبائهم. أو قد لا يدركون بأنهم يربطون بين سلوكيات الإدمان وبين الراحة التي تتمتع بها علاقاتهم الحميمة.
فإن ما نبحث عنه في العلاقات، ليس هو الحب فعلاً، وإنما هو الألفة. والشيء نفسه ينطبق بالضبط على الصداقة.
إن محاولة تغييرك لشخص آخر لن تداويك.
ليس من قبيل الصدفة أن ترتبط و أن "تصادق بسرعة" فقط مع بعض الأشخاص دون آخرين. وفي معظم الحالات سيكون لديك قواسم مشتركة مع أصدقائك المقربين أكثر مما تعتقد، فغالباً ما تنجذب إلى الأشخاص الذين يعانون من نفس المشكلات التي تعانيها وتريد معالجتها مع نفسك على الرغم من أنك لا تعرف كيف تقوم بذلك.
وعندما تصبح هذه العلاقات صعبة وتجد نفسك محبطاً من أنماط سلوكها - لكنك تظل صديقاً معهم على الرغم من ذلك- فغالباً ما تكون قد لاحظت نمطاً معكوساً من سلوكك، لكنك فقط لا تدركه.
فنحن عادة ما نكون غير واعين تجاه سلوكنا لكننا نلاحظ ذلك في الآخرين وغالباً ما ننتقد ونصدر أحكاماً على الناس اعتماداً على سلوكياتهم . حيث يمكن أن يصبح هذا الأمرُ نوعاً من الهوس أو أصلاً للعلاقة، سواءً أكانت حباً أو كراهية، أو بذرة للغيرة والمنافسة والحسد.
وإن الأشياء التي تثير غضبنا تجاه الآخرين قد تُظهر لنا ما لا يمكننا رؤيته داخل أنفسنا.
إذ أنه عندما نلتقي بشخص مصاب بجرح مماثل لنا، فإننا نشعر به. ونعلم أن هناك شيئاً يخصه يجذبنا فيه ويجعلنا نبتعد عنه على حد سواء. وإن المشكلة تكمن في أننا نحاول شفاء جرح شخص آخر بدلاً من الانتباه إلى الحاجة إلى شفاء جراحنا.
الصداقة السامة
وهذا يعني أن كثير من الناس يجدون أنفسهم في صداقات سامة (الشخص الذي يستفيد دائماً من الآخرين باسم الصداقة)، فهم لا ينجذبون إلى الأشخاص الذين يتواصلون معهم لوجود مصالح مشتركة أو احترام متبادل، ولكن ينجذبون للأشخاص الذين تعتبر سلوكياتهم السيئة عاكسة لسلوكياتهم بشكل غير واعٍ.
وبدلاً من أن يدرك كل شخص أنه مسؤول عن مصالحه الخاصة، فهو يحاول إسقاط المشكلة على الآخرين وضبطها عليهم، والتحكم في سلوك الآخرين لخلق التغيير الذي يتوق إليه حقاً.
وبالتأكيد فإن محاولة تغيير شخص آخر لن يداويك ولن يجعلك تشعر بشكل أفضل.
فهناك الملايين من الناس يعيشون في هذا العالم. وهناك المئات منهم إن لم يكن الآلاف الذين نعبر من طريقهم. وتلك الطرق عبارة عن فرص للتواصل معهم في كل مكان، ومع ذلك ينتهي المطاف بمعظم الناس بدائرة اجتماعية صغيرة إلى متوسطة، تحتوي على علاقات تجعلهم يشعرون بقوة بطريقة أو بأخرى.
هذا لا يحدث بالصدفة
قد تبدو فكرة أن تكون علاقاتك هي أكبر معلم لك، أمراً مثيراً و مستغرباً، ولكن هذا أيضاً صحيح و دقيق. حيث تعتبر علاقاتك وما تختبره فيها من أهم الفرص المتاحة لرؤية نفسك بمزيد من الوضوح، للإجابة على أسئلة من نوع:
من أنت؟ وما الذي تهتم به؟
ولتحديد ما تريد أن تعتز به...
وما تريد تغييره...
لذا بدلاً من محاولة المناورة عبر إصلاح حياة الآخرين والحكم عليهم بالطرق التي لم يتم من خلالها شفاؤهم بعد... فما عليك إلا أن تعتبر أن الجروح التي تثيرك بعمق في الآخرين ربما تكون هي مجرد انعكاسات عنك، وربما هي أكثر ما تفكر به هو ما تريد أن تقوله لنفسك.