هذه الأسنان ذات الألف عام منذ ما يقرب من ألف سنة ، مضت امرأة في دير في شمال ألمانيا فرشاة الرسم لترسم بشعيراتها بشكل أفضل ، و كان بعض الصباغ قد انطبع على أسنانها. و الآن ، قد اكتشف علماء الآثار أن اللون جاء من اللازورد ، وهو حجر أزرق من النصف الآخر للكرة الأرضية (أفغانستان). و تشير نتائج الأبحاث إلى أن هذه المرأة -المجهولة- و التي كانت في منتصف العمر ربما كانت رسامة ماهرة أُوكلت إليها مهمة إبداع (رسم) مخطوطات مزخرفة بجودة عالية للنصوص الدينية – و هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التعرف على فنان من القرون الوسطى من خلال هيكله العظمي فقط ، و يعتبر ذلك دليل آخر -إضافي- على أن النساء كُنَّ يقُمن بنسخ وطباعة الكتب في القرون الوسطى في أوروبا.
يقول مارك كلارك
Mark Clarke
، وهو مؤرخ فني تقني في جامعة نوفا في كاباريكا
NOVA University Caparica
في البرتغال
Portugal
، و الذي لم يشارك في البحث: "إن هذه نتيجة رائعة". و قد كان قبل هذه الدراسة يفكر و يقول "لن نجد أبداً هيكلاً عظمياً ونقول ، كان ذلك رساماً , لكن ها هو ذا! "
وفي الوقت الذي بدأت كريستينا وارنر Christina Warinner -و هي عالمة الآثار الجزيئية molecular archaeologist في معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري Max Planck Institute for the Science of Human History في جينا Jena بألمانيا - بدراسة الهيكل العظمي الخاص بالعصور الوسطى ، لم تكن تتوقع الحصول على أي شيء خاص و مميز. فقد عاشت المرأة في مجتمع ديني في دالهايم Dalheim بألمانيا ، في الفترة ما بين 997 و 1162 ميلادي ، وتوفيت في عمر ما بين 45 و 60 سنة. و كانت وارنر Christina Warinner تأمل في استخدام الترسبات السِنّيّة لهذه المرأة لدراسة غذاؤها والميكروبات التي عاشت في فمها.
و يقول تيفيني تونغ Tiffiny Tung ، و هو عالم الأحياء الحيوية bioarchaeologist في جامعة فاندربيلت Vanderbilt University في ناشفيل Nashville و الذي لم يشارك في الدراسة أيضاً: "إن مصائد الترسبات السِنّيّة: و هي كل القطع الصغيرة غير المرغوب فيها - الأشياء التي نحاول إزالتها أثناء استخدام خيط تنظيف الأسنان... إنها كنز كبير من المعلومات".
ولكن عندما وضعت وارنر Warinner -وهي عالمة آثار في جامعة يورك University of York في المملكة المتحدة-و طالبتها آنيتا راديني Anita Radini بعضاً من ترسبات أسنان امرأة القرون الوسطى تحت المجهر ، كانتا قد شاهدتا شيئاً لم ترياه من قبل: لقد كان كانت طبقة البليك plaque ذات لون أزرق ساطع.
و يضاف إلى ذلك أن فريق البحث كان قد حدد نوع المركب على أنه اللازورد ، وهو عبارة عن حجر يستخرج من أفغانستان و الذي يمكن استخراجه ومعالجته ليكوّن صبغة زرقاء رائعة. و يظن أنه عندما كانت المرأة على قيد الحياة ، كان اللازورد قد بدأ بالوصول إلى أوروبا عن طريق التجارة مع العالم الإسلامي ، وكان يستخدم لرسم المخطوطات المزخرفة عالية الجودة. و يقول كلارك Clarke: "لقد كانت هذه المواد أغلى من الذهب". إذن السؤال المحير كيف انتهى الأمر بين أسنان هذه المرأة المجهولة؟
كانت هذه الراهبة -التي تعود للقرن الثاني عشر- وتسمى غودا واحدة من النساء القلائل في العصور الوسطى اللاتي وقعن مخطوطاتهن المزخرفة
و قد كانت آنيتا راديني Anita Radini قد جربت طحن حجر اللازورد إلى مسحوق ناعم ، و هي الخطوة الأولى لتحويله إلى صبغة مناسبة للرسم. وانتهى بها الأمر بأن غطى غبار اللازورد جسمها بالكامل ، بما في ذلك شفتيها وفمها. و يقول كلارك Clarke إن الفنانين في العصور الوسطى عادة ما يعدون أو يجهزون أصباغهم بأنفسهم ، لذا من السهل أن نتخيل أن هذه المرأة -عن غير قصد- كانت تتعرض لغبار اللازورد كما حدث مع آنيتا راديني. و وفقاً لتقرير فريق "ساينس أدفانس"
Science Advancesالذي نشر مؤخراً، فإن وضع الفرشاة في الفم (مص الفرشاة) لخلق نقطة محددة في الرسم - وهي التقنية الموصى بها في العديد من كتيبات (الفن) فناني العصور الوسطى – و قد يكون ذلك قد ترك المزيد من الذرات (الحبيبات) الزرقاء في فمها.
و تقول سينثيا سايروس Cynthia Cyrus ، وهي المؤرخة في فاندربيلت Vanderbilt و التي تدرس تاريخ الأديرة في القرون الوسطى و التي لم تكن قد شاركت في البحث (أيضاً), أنه و بالنظر إلى مدى ارتفاع تكلفة اللازورد ، "فإن العمل الذي كانت تقوم به كان بمثابة مخطوطة متقنة حقاً" ، و أنه على الأرجح قد يكون نسخة من كتاب الصلاة المستخدم في الخدمات الدينية في جماعتها الدينية أو دير آخر.
و تُظهِر مجموعة من المخطوطات الموقّعة وغيرها من السجلات التاريخية أنّ النساء ، لا سيّما اللواتي عشن في مجتمعات دينية ، كُنَّ يشاركن في نسخ الكتب و تزويقها. و لكن في الفترة التي عاشت فيها هذه المرأة ، لم تكن الكثير منهن يوقعن على أعمالهن -و كما تقول وارنر Warinner ربما يكون ذلك "كدلالة على التواضع"- أما اليوم ، فتُنسب المخطوطات المجهولة في القرون الوسطى إلى الرجال ، كما تقول وارنر Warinner، وكثيراً من كتاباتهن مثل هذا "مكتوبة بدون تاريخ", لكن أسنانهن قد تحمل شهادة صامتة على مهاراتهن.
المصدر