ذكريات الماضي :  أربعة أسباب تجعل من الصعب التخلص من أجزاء معينة من ماضينا

الماضي
ذكريات الماضي :  أربعة أسباب تجعل من الصعب التخلص من أجزاء معينة من ماضينا

"الاحتفاظ بـ الماضي" مقابل "التخلص منه".

حان وقت التطهير...

قامت اختي بتسليمي حقيبة مليئة بالأشياء البالية التي تم جمعها منذ عقود.

ثم قالت لي :"لقد أقسمت أنني لن أفعل بأطفالي ما فعلته أمنا بنا، لذلك أنا أتخلص من كل هذا الآن".

لقد  كنت أعرف ما كانت تعنيه بالتحديد. ذلك أن أمنا طيب الله مرقدها كانت لا ترمي ولو شيئاً واحداً.

أي أنها لم تكن تتخلص  من أي شيء سواء أكان ذلك الشيء مهماً  أم لا شيئاً  .

و قد عاشت هي و أبي في المنزل ذاته مدة خمسين عاماً تقريباً ولم يتخليا فيها  عن أي شيء.

لذلك و عندما اضطررت أنا و أختي إلى تنظيف منزل العائلة بعد وفاة والدينا ، غمرتنا تلك المخلفات التي دامت لـ 62 عاماً .

لقد كانا شخصين عاشا حتى أواخر الثمانينيات من عمرهما و تمسكا بكل شيء. 

لقد ألقينا اللوم حينها على أمي بسبب هوسها بالاحتفاظ بالأشياء، إذ أنها لم تستطع التخلص من أي شيء.

و لم تكن شديدة المحافظة على الأشياء والاحتفاظ بها فحسب، بل كانت أيضاً عاطفية للغاية.

فكل شيء ، وأعني كل شيء بالفعل ، كان من الممكن أن يحمل نوعاً من الأهمية العاطفية بالنسبة لها، مما جعل من المستحيل بالنسبة لها التخلص من أي شيء.

و لكن :  هل كان من الصعب حقاً عليها التخلص من سجل الشيكات المستخدم في عام 1972؟

أو التخلص من آلة صنع القهوة المصنوعة من الألومنيوم والمكسورة من أوائل الستينيات؟

أذكر أنني قضيتُ و أختي أسابيع عديدة في فرز المئات من الكتب و صناديق الأوراق التي لا طائل من وجودها الآن والأدوات المنزلية غير القابلة للاستخدام. لقد كان الأمر مرهقاً و حزيناً و محبطاً بشكل كبير.

و الآن يمكنني القول أنني فهمت دافع أختي للتخلص من كل ذلك...

و لكن عندما سلمت لي حقيبة تحتوي على بعض الصور القديمة التي تم اقتصاصها من الصحف منذ سنوات دراستي الثانوية ، كنت أعرف أنني أيضاً من يجب أن يقرر ما إذا كنت سأحتفظ بها أو أتخلص منها.

و من تجربتي الشخصية أستطيع أن أذكر لك عزيزي القارئ  فيما يلي أربعة أسباب تجعل من الصعب عليك التخلص من الأشياء:


1. التوصيلات الدماغية: بعضنا شغوف بالاحتفاظ بالأشياء:

لقد كانت والدتي نظيفة و منظمة للغاية، حيث كان حوالي 80٪ من أغراضها القديمة مكدسة بعناية في صناديق معبأة بشكل أنيق و مُرتب.

إلا أن رونقها لم يمنعها من أن تكون مكتنزة لكل تلك الأشياء، وهي حالة ظهر أنها تؤثرعلى 15 مليون شخص تقريباً في أمريكا.

و منذ عام 2013 ، تم إدراج الاكتناز في الدليل التشخيصي و الإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM  - Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders) كحالة منفصلة خاصة به ، وليس مجرد عنصر ضمن عناصر اضطراب الوسواس القهري (OCD). 

إلا أن والدتي بدت  طبيعية بما يكفي ، وعلى الرغم من أنها ربما لم تكن تعاني من أي اضطراب عقلي، إلا أنها كانت تملك هذه الميول بالتأكيد.

لقد أظهرت الأبحاث أنه عندما يُطلب منك اتخاذ قرارات بشأن مثل تلك الأشياء ، فإن عقل هؤلاء المكتنزين يصدر إشاراته ، مما يشير إلى وجود ارتباط عاطفي أقوى بتلك العناصر أكثر من الأشخاص الآخرين.

و يوجد نوعان من المكتنزين:

  • الأول : و هو الشخص الذي يكتسب أشياء ثم يحتفظ بها لأنها تعكس اهتماماته .

  • الثاني : و هو الشخص الذي يكتسب الأشياء بشكل سلبي ، ويقلق بشأن كيفية فرزها و تنظيمها، ثم يحتفظ بها للاحتياجات المستقبلية ، يطلق على هذا النوع "الحارس القلق". (و هو ما كان ينطبق على أمي !)

و يجدر القول أن تكوين خلايا الدماغ هو أحد أسباب صعوبة التخلص من الأشياء.


2. التأهب لما يأتي: حفظ الأشياء للمستقبل

 و هو يعد دافعاً بشرياً أساسياً في الرغبة أن تكون آمناً و مستقراً.

لذلك إذا كان لديك شيء ساعدك ذات مرة ، فإنك تتمسك به كثيراً، معتقداً أنك قد تحتاجه مرة أخرى.

و على سبيل المثال ( أداة استخدمتها، كتاب درسته في الكلية). تعتقد أنك قد تحتاج إليه في المستقبل.

نعتقد أننا نتحلى بالكفاءة من خلال حفظ الأشياء، و لكننا و في أغلب الأحيان ، نقوم بتكديس الفوضى و لا نستخدمها مرة أخرى. 

إن زوجي مثلاً يرمي الأدوات و قطع الغيار في الصناديق معتقداً أنه سيحصل عليها عندما يحتاج إليها.

و لكن عندما يحتاج إليها، لا يكون لديه الوقت الكافي لفرز حقائب اليد المختلفة للعثور على قطعة تكلفتها بسيطة للغاية.

و هكذا يقوم بشراء جزء جديد ، مما يؤدي إلى انتشار الصناديق في غرفنا.

و هنا نتوصل إلى النتيجة التي مفادها أن : الاستعداد لا يهم ، بقدر ما تهم سرعة الوصول لما ستحتاج إليه عندما تحتاج إليه...


3. التصور أنك ستكون مقتصداً اذا لم تتخلص من الأشياء:

  • هل تتذكر معدات التمرين الفاخرة التي أنفقت أموالاً كثيرة من أجلها؟  و

  • هذا الكرسي الذي اشتريته و الذي اكتشفت أنه لا يصلح لك بمجرد وصوله للمنزل؟  و

  • هذا المعطف الغالي الذي لا يبدو جيداً عليك لكي ترتديه؟

إنه لمن السوء أن معظمنا يمتلك أشياء مثل تلك العالقة في الغرف و المتكدسة في الصناديق.

إذ من غير الممكن  لنا التخلص منها لأننا أنفقنا أموالاً طائلة عليها.

حيث أن التخلص من شيء تم إنفاق الكثير من المال عليه يسلط الضوء على حماقة بداخلنا، لذلك فنحن نتمسك به و لا نريد أن نرى أموالنا التي حصلنا عليها بعد عمل شاق يتم التخلص منها بكل سهولة.

و لكن  لا تقلق عزيزي القارئ .  فهناك طريقة جيدة للتخلص من تلك الأشياء.

حيث يمكنك أن تفكر فيما أنفقته على أنه تبرع خيري. كما يمكنك أخذ أغراضك إلى المتاجر لبيعها، أو أن تتبرع بها للمنظمات الخيرية، أو أن تعطيها للأشخاص الذين تعرفهم والذين قد يستفيدون منها. و لا تشعر بالذنب لأنك تفعل شيئاً يساعد شخصاً آخر.


4. الحنين و الاتصال بالماضي:

  • ألا نحب جميعاً أن نتذكر الأيام الماضية؟

  • ألا تشعر بالسعادة عندما يجتمع الأصدقاء القدامى للحديث عن تلك الأوقات الماضية؟  فكل تلك اللحظات و الصور القديمة تجعلنا نتذكر ماضينا.
لقد تبين أن نفس تلك التوصيلات الدماغية التي تجعل المكتنزين يشعرون بالارتباط العاطفي بممتلكاتهم تجعلهم يشعرون بالرضا عن تذكر الماضي.

و يقول الدكتور فرانك نايلز Frank Niles، عالم الاجتماع: 

 " إن ذكريات الماضي تجعلنا نشعر بالرضا، و يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة مشاعر الترابط الاجتماعي وإثارة المشاعر الإيجابية.

وقد اتضح أننا في الواقع مجبرون على الاعتقاد بأن الماضي كان أفضل من الحاضر. فنحن ننظر إلى الصور و نتذكر فقط الأشياء الجيدة و نميل إلى تناسي الأشياء السيئة ".

و هذا هو السبب في أنه من الصعب علينا في الغالب التخلص من ماضينا. لقد جعلتني  قصاصات الصحف القديمة التي أعطتها لي أختي أتذكر أيام دراستي الثانوية.

و ليس الأمر أنني أريد العودة إلى الخلف، و لم يكن الأمر حتى أن تلك السنوات كانت رائعة بشكل كبير، ولكن لأنني تذكرت الأوقات الجيدة فقط. و تذكرت أنني كنت أتمتع بالشباب و المثالية و كانت أمامي حياة مليئة بالمغامرات.


كلمة أخيرة ....

يؤمن معظم الأمريكيين بضرورة اكتناز الأشياء. وفي الواقع ، لدينا الكثير من الممتلكات، والكثير منها لا نستخدمه. و للعلم فهناك 52786 منشأة "تخزين ذاتي في أمريكا"، أي أكثر من إجمالي فروع مطاعم (ماكدونالدز ، وينديز ، بيتزا هت ، دانكن دوناتس ، و ستاربكس).

إن حفظ الأشياء أسهل بكثير من التخلص منها. فأدمغتنا موصولة لإجراء اتصالات مع مختلف الأشياء، و الرغبة في الاستعداد للمستقبل ، و الشعور بالضيق حيال الأموال التي تم إهدارها، و الحنين إلى الماضي عندما نرى أشياء من ماضينا.  لاشك أنه اختيار صعب.


و أنت عزيزي القارئ :

هل تحتفظ بتلك الأشياء أم أنك ترفض ذلك وستتخلص منها ؟


 أنت صاحب القرار.

أما بالنسبة لي ، فقد قمت بوضع قصاصات الصحف القديمة التي أعطتها لي أختي  في درج لا أستخدمه، و أقسمت أنني سأتخلص منها قريباَ.




عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.

 كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.  


 ننصحك بقراءة المقالات التالية :

نسيان الذكريات .. هل يمكنك اختيار ما الذي ينبغي نسيانه؟

تأثير المعلومات المضللة و الذكريات المزيفة

ذكريات قديمة : هل تستطيع الوثوق بذاكراتك؟


المصادر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن