تحظى الدراسات العلمية الأخيرة حول الصيام باهتمام كبير في الوسط العلمي.
و تشير الدراسات إلى أن تناول الطعام المحدد بوقت (time-restricted eating) أو (TRE) يزيد من طول العمر ويقلل من احتمالية الإصابة بالأمراض الخطيرة، بما في ذلك السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية.
و يشير مصطلح الطعام المحدد بوقت إلى استهلاك كل سعراتك الحرارية اليومية - سواء عن طريق الطعام أو الشراب - في إطار زمني محدد كل يوم، يُطلق عليه (الإطار الزمني للطعام).
و قد اتضح أنه يمكنك التأثير بشكل إيجابي على صحتك فقط عن طريق التقليل من الإطار الزمني لطعامك اليومي.
و هذا لا يعني بالطبع أن مكونات نظامك الغذائي ليست مهمة، غير أن نجاح مفهوم الطعام المحدد بوقت يضفي مصداقية على فكرة أن توقيت الطعام أهم بكثير من مكوناته.
في كل مرة تأكل فيها – و لو حتى مجرد لقمة من الطعام – يحفز ذلك عمليات الهضم و الامتصاص و عملية الاستقلاب الغذائي التي تستغرق ساعات حتى تكتمل.
أهمية وقت الطعام
عندما يكون جسمك مخصصاً لمعالجة الطعام الذي تأكله، لا يكون بوسعه القيام بالعمليات الحيوية الأخرى كالإصلاح واستعادة النظام الحيوي.
لذا ، سنقتبس فيما يلي كلام الدكتور ساتشين باندا Satchin Panda ، وهو أفضل خبير في العالم في مجال الطعام المحدد بوقت (TRE)، و الأستاذ في معهد "سولك للدراسات البيولوجية Salk Institute for Biological Studies " ومؤلف كتاب "الرمز اليومي The Circadian Code"،
و الذي عكف على تحليل أنماط الطعام والنوم والنشاط اليومية لآلاف الأشخاص كجزء من بحثه المستمر.
ويقول باندا Panda في كتابه أن : "تحديد إطار زمني لتناول الطعام و الالتزام به هو أحد أهم الأشياء التي يمكنك القيام بها لضمان الصحة وطول العمر.
ويرجع هذا إلى أنه في كل مرة تأكل فيها – ولو حتى مجرد لقمة من الطعام – يحفز ذلك عمليات الهضم والامتصاص وعمليات الاستقلاب الغذائية التي تستغرق ساعات حتى تكتمل.
وعندما يكون جسمك مخصصاً لمعالجة الطعام الذي تأكله، لا يغدو بوسعه القيام بالعمليات الحيوية الأخرى كالإصلاح واستعادة النظام الحيوي ".
و يتابع باندا : "تحتاج إلى البقاء لمدة 12 ساعة على الأقل دون استهلاك أية سعرات الحرارية حتى يمكن تصنيف هذا النظام على أنه (TRE).
(على سبيل المثال، صُم ليلةً كاملة من الساعة 8 مساءً إلى 8 صباحاً)، وعلاوةً على ذلك كلما كان الإطار الزمني لتناول الطعام أقل (وكانت فترة الصيام أطول)، كان ذلك أفضل لصحتك ".
و يضيف : "على الرغم من أن الفوائد الناتجة عن صيام 12 ساعة مثيرة للإعجاب، إلا أن خفض (TRE) لما يصل إلى ثماني ساعات مفيد جداً .
و هذا لأن الفوائد الصحية التي تجنيها من تناول الطعام خلال فترة 12 ساعة تتضاعف عندما تقل الفترة إلى 11 ساعة، و تتضاعف مرة أخرى في 10 ساعات، و هكذا، حتى تصل إلى (TRE) مدته ثماني ساعات".
لا يعتبر الطعام المحدد بوقت نظاماً غذائياً قصير المدى - بل روتين يجب اتباعه لبقية حياتك
تعد الحمية الغذائية التي اتبعها الممثل الشهير هيو جاكمان Hugh Jackman و التي تسمى بـ حمية ولفيرين "Wolverine Diet" مثالاً على ((TRE لمدة ثماني ساعات.
و تظهر الأبحاث الحديثة أن تقليل إطار تناول الطعام إلى ست ساعات يمكن أن يكون هدفاً جديراً بالتحقيق،
و لكن قد يستغرق الأمر بعض الوقت للوصول إلى هذه النقطة وقد لا ينجح الشخص في الاستمرار عليه على المدى الطويل.
و بغض النظر عن مدة TRE، فإن الأهم هو أن تظل ثابتاً على النظام.
فالطعام المحدد بوقت ليس نظاماً غذائياً قصير المدى - وإنما روتين يجب اتباعه لبقية حياتك.
و تبعاً لـ باندا : "إذا كنت تأكل ثلاث مرات في الأسبوع خارج الـ 12 ساعة المحددة، فأنت لا تلتزم بـ TRE".
و تكشف البيانات أن هناك 50% من البالغين في الولايات المتحدة يأكلون بانتظام لمدة 15 ساعة أو أكثر.
و يضيف باندا أنه من الأفضل بكثير وضع جدول زمني قابل للتحقيق من أن يكون الشخص مفرطاً في تقييد نفسه منذ البداية.
و ينصح بالبدء بنظام 12 ساعة ومحاولة تقليله بمرور الوقت.
هل هناك إطار زمني مثالي يجدر بنا اختياره؟
أنت وحدك من يمكنه تحديد التوقيت الأفضل لتناول طعامك
يقول باندا: "لا أستطيع أن أتنبأ بمدى أفضلية أي توقيت لبدء صيام الـ 12 ساعة عن غيره.
فبعض الناس يحبون وجبة الإفطار ويحتاجون إليها لبدء يومهم، بينما ينتظر البعض الآخر حتى الظهر، ويستطيعون بسهولة التعامل مع TRE أقصر.
لذا فأنت وحدك من يمكنه تحديد التوقيت الأفضل لك".
أما عن الأقاويل الخاصة بكون وجبة الإفطار أهم وجبة في اليوم، فيؤكد باندا : "إن دماغك لا يحتاج حقاً إلى الإفطار لإمداده بطاقة إضافية ".
ومع ذلك، فهو يخبرنا بالفعل بوجود فائدة متزايدة لبدء الالتزام بالنظام في وقت مبكر من اليوم، ويرجع ذلك أساساً إلى أننا لا ينبغي أن نتناول الطعام قبل أو قريباً من وقت النوم.
و يضيف باندا : "إن تناول الطعام في وقت متأخر من الليل هو أسوأ خيار يمكنك اتخاذه".
و ينصح بإبقاء ثلاث ساعات على الأقل بين آخر لقمة أو رشفة وبين الذهاب للنوم – لذا حاول تناول وجبتك الأخيرة حوالي الساعة 6 أو 7 مساءً.
وبذلك ستسمح لجسمك بوقت أكبر للهضم من أجل الحصول على نوم منعش وصحي.
ويستأنف باندا حديثه قائلاً: "يبدأ النوم عندما يبدأ معظم الجسم في تنظيف بروتينات الخلايا التالفة .
فعندما تحصل على قسط أكبر من النوم، يتوفر لدماغك وقتٌ أطول لإصلاح وتنظيف مخلفاته، مما يساعد على الحماية من الأمراض التنكسية العصبية مثل مرض الزهايمر وأشكال الخرف الأخرى".
ويقول باندا أنك إذا كنت ترغب في الاسترخاء بكأس من العصير أو تناول سلطة الفواكه، فسيكون من الأفضل تناول المشروب قبل أو أثناء العشاء، وطبعاً إذا كان ذلك قبل ساعتين على الأقل من النوم.
للحصول على أفضل نتائج صحية
يوصي باندا باتباع نظام غذائي متوازن يتمحور حول الفواكه والخضروات الطازجة والبروتينات الخالية من الدهون والدهون الصحية.
كما أنك لا تحتاج إلى حساب السعرات الحرارية عند اتباعك لنظام TRE، ولكن لا يزال ينبغي عليك الحد من الوجبات السريعة.
كما تشمل نصائح باندا الابتعاد عن الصودا والعصير وحبوب الإفطار وبارات الطاقة / البروتين والأطعمة المعالجة وشراب الذرة / الفركتوز / السكروز والأطعمة المقلية وزبدة الفستق المصنعة تجارياً.
أما إذا كنت تتبع نظاماً غذائياً لمطابقة معايير منخفضة الكربوهيدرات، أو خالية من السكر، أو حمية العصر الحجري (paleo)، أو النظام النباتي،
أو نظام البحر الأبيض المتوسط، أو نظام المناطق الزرقاء (Blue Zones)، أو حمية أتكينز (Atkins)، أو حمية المحارب (Warrior)، فتستطيع التوقف عن الالتزام به عند اتباعك لنظام TRE، و وفقاً لـ باندا ، يمكنك أن تأكل ما يجعلك تشعر بتحسن، طالما أنك تتناوله في فترة قصيرة مكثفة.
و إذا حصلت على نتائج جيدة مع نمط غذائي معين، فلا تتردد في الالتزام به، ومن المحتمل أن تتضاعف الفوائد من خلال الجمع بينه وبين TRE أصغر.
و الجدير بالذكر أن باندا يلتزم و بشكل شخصي بـ TRE لمدة 11 ساعة. إذ يتناول وجبته الأولى في اليوم حوالي الساعة 8 صباحاً وينهي العشاء بحلول الساعة 7 مساءً، أي قبل عدة ساعات من الساعة 10:30 مساءً أي وقت النوم.
ويعترف بأن الأيام كلها لا تسير بشكل مثالي وفقاً لهذا الجدول الزمني - لكنه يبذل قصارى جهده للالتزام بهذا الروتين.
وحتى لو انتهى به الأمر لتناول عشاء إضافي، فإنه لا يزال يحاول منح معدته راحة لمدة تتراوح من 12 إلى 13 ساعة قبل وجبته التالية.
أما بالنسبة لي، فأنا أحب اتباع نظام (TRE) لثماني ساعات من الساعة 12 ظهراً حتى الساعة 8 مساءً يومياً.
(و هو ما يُشار إليه عادة بالصوم المتقطع 16: 8). كما أنني أتناول القهوة والشاي الأسود أثناء فترة صيامي، مما يساعدني بشكل كبير للغاية.
و هناك بعض الجدل الدائر حول ما إذا كان الشاي و القهوة السوداء "مسموحاً بهما" داخل النظام؛ حيث يقول الأصوليون مثل باندا أن أي شيء تأكله أو تشربه باستثناء الماء يكسر الصيام.
و من ناحيةٍ أخرى..
يقول خبراء آخرون أنه لا بأس بالقهوة أو الشاي (بدون قشدة أو سكر) بل إنهما قد يضاعفان من فوائد الصيام.
و هكذا باتت الرسالة الأساسية واضحة:
الأكل المحدد بالوقت (TRE) أداة بسيطة ومتاحة للجميع - ولا تتطلب أي تغييرات مهمة في مكونات أو مقدار ما تأكله.
وإذا أردت أن تعرف أفضل سبب يدفعك لتقصير فترة ال (TRE) الخاصة بك، فيكفي أن نخبرك أنها تطيل العمر.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :