إنني أدعوك في مقالي هذا أن تقوم بارتداء حذاء الرقص و سأضمن لك أن عقلك سيشكرك لاحقاً على ذلك . لقد كانت هذه رسالة قصيرة جاهزة لدراسة جديدة
فقد وجدت هذه الدراسة أن النشاط البدني في وقت لاحق من الحياة - وخاصة الرقص - يمكن أن يساعد على عكس علامات شيخوخة الدماغ.
فمع تقدمنا في العمر ، يحدث عدد من التغييرات في الدماغ ، بما في ذلك انخفاض في أنسجة المخ ، و ضعف في تدفق الدم ، وهبوط و انخفاض في التواصل بين خلايا الدماغ.
و يمكن أن تتداخل جميع هذه التغييرات مع الأداء المعرفي ، وخاصة التعلم والذاكرة.
و تشير الدراسات السابقة إلى أن النشاط البدني في الحياة اللاحقة يمكن أن يساعد في تقليل التراجع المعرفي أو الضعف المعرفي cognitive decline .
و على سبيل المثال ، ربطت دراسة أجرتها "الأخبار الطبية اليوم Medical News Today " في العام الماضي ، بين التمارين المعتدلة إلى التمرينات الشديدة ، إلى انخفاض أبطأ في الذاكرة ومهارات التفكير لدى الأشخاص الذين تجاوزوا الخمسين من العمر .
و لكن السؤال الذي يقفز إلى أذهاننا في الحال : ما هي أشكال التمرين الأكثر فعالية ضد شيخوخة الدماغ ؟
و للإجابة على هذا السؤال الحيوي ، سعت مؤلفة الدراسة الرئيسية الدكتورة كاثرين رايفيلد Kathrin Rehfeld، من المركز الألماني للأمراض العصبية التكاثرية German center for Neurodegenerative Diseases في ألمانيا Germany ، وزملاءها إلى الإجابة عن هذا السؤال من خلال أبحاثهم الجديدة.
حيث ذكروا أنهم في الآونة الأخيرة قاموا بنشر النتائج التي توصلوا إليها في مجلة تدعى الحدود في علم الأعصاب البشري Frontiers in Human Neuroscience.
الرقص و الهيبوثلاموس hippocampus :
شملت الدراسة 52 بالغاً من الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم بين 63 و 80 عاماً. و قد تم توزيع كل مشارك بشكل عشوائي إلى واحدة من مجموعتي التمرين لمدة تبلغ حوالي ال 18 شهراً.
و طُلب من إحدى المجموعات المشاركة في درس للرقص مدته 90 دقيقة كل أسبوع لمدة 18 شهراً ، بينما شاركت المجموعة الأخرى في 90 دقيقة من تدريبات قوة التحمل كل أسبوع.
و قد لاحظ الباحثون أن النشاط البدني تباين بين كل مجموعة. فبينما واجهت مجموعة الرقص روتيناً جديداً كل أسبوع ، كانت أنشطة مجموعة تدريب قوة التحمل متكررة.
و تقول الدكتورة رايفيلد Rehfeld: " لقد حاولنا أن نوفر لكبار السن في مجموعة الرقص روتيناً مستمراً من أنواع مختلفة من الرقص (موسيقى الجاز Jazz ،و الساحة Square ، وأمريكا اللاتينية Latin-American و الرقص الخطي Line Dance)".
وتضيف: "و قد تم تغيير الخطوات وأنماط الأذرع و تشكيلات الرقص والسرعة والإيقاعات كل أسبوع لإبقائهم في عملية تعلم مستمرة ". و تتابع : "لقد كان الجانب الأكثر تحدياً بالنسبة لهم يكمن في استرجاع أنماط الروتين تحت ضغط الوقت ودون أي إشارات من المدرب."
ثم خضع كل مشارك في خط الأساس للدراسة وفي نهاية تدريبات التمرين لمدة 18 شهراً ، للتصوير بالرنين المغناطيسي( magnetic resonance imaging (MRI للدماغ.
و بالإضافة إلى ذلك ،تم تقييم توازن الذين خضعوا لهذه الدراسة (subjects' balance) قبل وبعد التدخل باستخدام اختبار التنظيم الحسي Sensory Organization Test .
و قد وجد الباحثون أن كلا المجموعتين أظهرتا زيادة في حجم الهيبوثلاموس hippocampal volume ، إلا أن الراقصين أظهروا زيادة أكبر في هذه المنطقة .
و يعرف عن الهيبوثلاموس بأنه منطقة في الدماغ مرتبطة بالتعلم والذاكرة والعاطفة ، وهي المنطقة التي تتأثر عادة بتغيرات الدماغ المرتبطة بالعمر.
ولكن من المثير للاهتمام ، أن الراقصين فقط أظهروا زيادة في الروابط العصبية في التلفيف المسنن dentate gyrus لقرن آمون أو الهيبوبلاموس ، وهو منطقة ترتبط بتكوين و تشكيل الذاكرة.
تحسين التوازن للراقصين :
الجدير بالذكر أن الفريق وجد أن الرقص أدى أيضاً إلى تحسينات كبيرة في توازن المشاركين ، في حين لم تشهد مجموعة تدريب القدرة على التحمل أي فائدة من هذا القبيل.
و تعتقد الدكتورة رايفيلد Rehfeld وفريقها أن عملية التعلم المستمر المتعلقة بالرقص قد تشرح الفوائد الإضافية التي لوحظت.
و كتب المؤلفون :" لقد أظهر الراقصون زيادات في بعض الحقول الفرعية HC [الهيبوثلاموس hippocampus] حيث لم يكن هناك تغيير يُلاحظ في المجموعة الرياضية. وهذا يشير إلى أنه بالإضافة إلى اللياقة البدنية ، هناك عوامل أخرى متأصلة في الرقص تساهم في تغييرات حجم منطقة الهيبوثلاموس HC ، أيضاً ".
و أضافوا :"يمكننا [...] أن نستنتج أن التحديات الإضافية التي ينطوي عليها برنامجنا للرقص ، و هي التحفيز المعرفي cognitive والحسي sensorimotor ، تسببت في تغييرات إضافية في حجم منطقة الهيبوثلاموس HC بالإضافة إلى تلك التي تعزى إلى اللياقة البدنية وحدها".
ويلاحظ الفريق أن العلاقة بين الرقص ، والتدريب على اللياقة البدنية ، وشيخوخة الدماغ يجب أن تخضع لمزيد من البحث في الدراسات الأكبر. حيث يعتقد الباحثون على وجه الخصوص ، أن الأبحاث المستقبلية يجب أن تقيّم ما إذا كان الرقص قد يساعد في منع أو تأخير مرض الزهايمر وغيره من الاضطرابات التنكسية العصبية neurodegenerative disorders .
و في غضون ذلك ، أوصى الباحثون بأن ينهض كبار السن و البالغين و أن يقوم بنقل و تحريك أقدامهم مع الإيقاع - إذ أن ذلك قد يؤدي إلى إحداث المعجزات للدماغ.
وتقول الدكتورة رايفيلد Rehfeld : " إنني أعتقد أن الجميع يود أن يعيش حياة مستقلة وصحية ، لأطول فترة ممكنة. و لذلك فإن النشاط البدني هو أحد عوامل نمط الحياة التي يمكن أن تسهم في ذلك ، وتتغلب على العديد من عوامل الخطر وتبطئ التراجع المرتبط بالعمر"..
و في النهاية ، تضيف كاثرين رايفيلد Kathrin Rehfeld : "إنني أعتقد أن الرقص هو أداة قوية لوضع تحديات جديدة للجسم والعقل ، خاصة في سن الشيخوخة."