الموت
الموت أو الفناء مقابل الخلود و الأبدية اليومية ..

يبدو أن مسائل الحياة و الموت ، بما في ذلك وجود الحياة بعد الموت ، تقاوم أي استنتاج ثابت. حيث يخبر معظم الناس مستطلعي الرأي و منظمي الاستفتاءات بأنهم يؤمنون بالله والروح والحياة الآخرة ، إلا أننا و من جميع  النواحي العملية نحن نعيش في مجتمع علماني (يقصد الكاتب المجتمع الأمريكي).

حيث لم تعد تطمينات الدين المنظم تقنع ملايين الناس المعاصرين ، بينما ومن ناحية أخرى ، هناك ارتفاع حاد في الشكوك والشك والإلحاد.

إن العيش كما لو أننا بشر مصيرهم الفناء هو الخيار الذي يقوم معظم الناس الآن باتخاذه - ولأغراض عملية بحتة ، فإنهم يعيشون كما لو لم يكن هناك شيء قبل الولادة ولا يوجد شيء بعد الموت.

ومع ذلك ، فهناك خيار آخر نادراً ما يناقش ، والذي قد يسميه المرء الخلود العملي  practical immortality. حيث يعتمد هذا القرار على قرار بسيط ولكنه قرار يغير الحياة ، و يمكن لأي شخص كان أن يتخذه ، قرار يتطابق مع حالة الوعي consciousness .

أما في الوقت الراهن ، فإن ولاء الجميع و إخلاصهم منقسم. فنحن نخصص بعض الوقت نقضيه مع أجسادنا  ، و نقضي بقية الوقت مع عقولنا.

وإذا قمت بإجراء سباق الماراثون ، أو ذهبت إلى الطبيب لإجراء فحوص ، أو انجذبت إلى شخص آخر جسدياً ، أو قمت بجرجرة نفسك خلال النهار بسبب قلة النوم ، فأنت بفعلك لجميع ما سبق إنما تقوم بالتعرف على جسدك و تتماهى معه . أما عندما تشعر بالحزن ، أو يكون لديك فكرة ذكية لامعة ، أو تقوم بالتحدث عن السياسة و تتجادل بشأنها ، فأنت تتماهى مع عقلك.

الموت ، و الخوف منه

قد تبدو هذه  كأشياء واضحة ، إلا أنه و بسبب انقسام الولاءات ، فإن  الموت يخلق الكثير من الخوف. وإذا كنت تعتقد أن الحياة تنتهي بمجرد فناء الجسد المادي ، فإن الاحتمال نادراً ما يكون ممتعاً ، وبغض النظر عن مقدار الأدب الروحي الذي تقرأه ، فإن الاعتقاد أو الإيمان العقلي الراسخ بأن الموت الجسدي ليس نهاية المطاف لن يكون حلاً لخوفك.

و يبدو أن الجميع متفقون على أنه لا يمكن معرفة أي شيء عن وجود الآخرة (الحياة بعد الموت) حتى نصل إلى هناك - أو ربما لا.

وعلى نفس المنوال ، فإن تجاوز ولائنا المنقسم يقدم حلاً يبدد كل الشك والخوف ، و ذلك من خلال خطوة بسيطة تتمثل في رؤية الوعي باعتباره أساساً للحياة. وفي هذا الإطار ، إليك النقاط الأساسية التالية :

نحن نعيش في كون كان الوعي موجوداً دائماً فيه.  ومن السهل قبول هذه النقطة لأن العلم لم يكتشف أبداً ولن يجد أبداً العملية التي من خلالها تعلمت بها الذرات والجزيئات التفكير.

يسمح الدماغ للوعي بالعمل في جميع أنحاء نظام العقل البشري bodymind system  (بما في ذلك الأفكار والمشاعر جنباً إلى جنب مع مراقبة وتنظيم كل عملية جسدية) ، إلا أن الدماغ لا يخلق الوعي . وهذا يتبع الحقيقة المذكورة أعلاه أن الذرات والجزيئات لا تفكر.

يرتبط العقل Mind ارتباطاً وثيقاً بالمادة matter ، ولكن لا يمكن إنشاؤه كما أنه لا يمكن  تدميره. وبما أن الفيزياء قد أرست مسألة أن المادة و الطاقة لا يمكن خلقهما أو تدميرهما ، فلا يوجد سبب لعدم قول الشيء نفسه فيما يتعلق بمسألة الوعي.

يتغير الوعي باستمرار وفقاً للعملية فيما إذا كانت جسدية أو عقلية. وهذا يتماشى أيضاً مع القاعدة المعيارية في الفيزياء التي تقول بأن كلاً من المادة و الطاقة  تتغيران باستمرار .

إن الأوضاع التي يأخذها الوعي هي ما يعطي اللون والأبعاد والشكل والحواس الخمس وأي وسيلة أخرى لمعرفة العالم. فنحن نختبر حياتنا من خلال الصفات الخاصة  أو من خلال نوعية أو خاصية يتصورها الشخص أو يختبرها للحواس الخمس. حيث أن كلاً من الرؤية والصوت واللمس والذوق والشم جميعها تقدم المؤهلات الأساسية أو الأولية primary qualia ، ولكن كل النشاط العقلي يعتمد على الخبرة التي تحدث فقط في الوعي.

لا يحتاج الوعي  في حد ذاته إلى أي صفة محددة . فالماء بفطرته رطب ، والنار حارة و ساخنة بطبيعتها ، ، إلا أن الوعي في مصدره هو منبع الخواص التي يتصورها الشخص أو يختبرها qualia ؛ لذلك ، فإن هناك إمكانيات  ضخمة لا نهائية لدمج و تجميع وإعادة تجميع مكونات التجربة.

في الحالات المختلفة للوعي ، فإن المكون الداخلي والشخصي لتصورات الإحساس ، الناشئة عن تحفيز الحواس بالظواهر qualia يأتي ويذهب. كما أن استنشاقك لرائحة الوردة عندما تكون واعياً يختلف عن استنشاقك لرائحة الوردة عندما تكون في حالة الحلم . و في النوم العميق الذي لا أحلام فيه تكون المكونات الداخلية و الشخصية لتصورات الإحساس الناشئة عن تحفيز الحواس بالظواهر qualia هادئة و مستقرة  ، و سيكون هناك فقط وعي هادئ غير منزعج.

لا يمكنك أبداً إظهار أن الوعي يتوقف عن الوجود (ينعدم) . فعدم الوجود Non-existence هو عبارة عن مفهوم إنساني وليس حقيقة طبيعية. ولكي تكون حالة عدم الوجود حقيقة ، فإن الوعي يجب أن يكون موجوداً to be و غير موجود not be في الوقت نفسه . و بما أننا نعلم أن الوعي موجود معنا طوال الوقت ، فإن خيار "عدم الوجود not be " لا معنى له.

إذا لم يكن للوعي وجود ، فسنكون نحن كذلك لا وجود لنا . و في أثناء النوم ، تتم إعادة ترتيب جميع أنواع المكونات الداخلية و الشخصية  لتصورات الإحساس و الناشئة عن تحفيز الحواس بالظواهر qualia ، بما في ذلك الذكريات والمشاعر والأفكار والخطط. وعندما تستيقظ في الصباح ، فإن إعادة الترتيب هذه تسمح لك بأن تكون متجدداً و جديداً  لليوم الجديد. حيث أنك لا تتبع برنامجاً محدداً أو موضوعاً بشكل مسبق تلقائياً.

و بالمثل ، يعتبر الموت هو إعادة ترتيب للمكونات الداخلية و الشخصية لتصورات الإحساس و الناشئة عن تحفيز الحواس بالظواهر qualia . فالتحول الأبدي للوعي ، والذي نعيش معه على أساس عملي كل يوم ، يدخل ببساطة مرحلة جديدة.

و هكذا ، فليس من الضروري الخوض في تفاصيل كل نقطة في القائمة. فجوهر الخلود العملي هو في الواقع بسيط للغاية. فإذا كان الوعي موجوداً - ونعرف أنه كذلك - فإن العيش معه كميزة دائمة للحياة هو الطريقة الأكثر منطقية للحياة. فنحن لا نخشى النوم في الليل ، لأن استمرارية الوعي كانت جزءاً لا يتجزأ من كل حياة دون استثناء.

كما أنه سيتحدى كل ما نعرفه - ونختبره - عن الوعي لأنه ببساطة يتوقف لأن الجسد المادي يفنى و ينتهي. و في النهاية نصل للنتيجة التي مفادها أن كل شيء عن الخلق والدمار أو الفناء تم تنظيمه بواسطة الوعي consciousness  ، والذي لن يتوقف عن فعل ذلك أبداً.

المصدر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن