تسير الساعات ( الوقت ) الأكثر دقة في العالم بخطى ثابتة ، و يحصل خطأ يقدر بحوالي ثانية واحدة فقط كل 300 مليون سنة.
و لكن الدماغ يأخذ تلك الثواني الإيقاعية ومن ثم يقوم بخلق إحساسه الخاص بالزمن - فتراه أحياناً يقوم بتمديد دقات الساعة و يطحن الساعات أحياناً أخرى.
و لكن لماذا لا يستطيع الدماغ الاحتفاظ بالوقت مثل الساعة العادية؟ و بعبارة أخرى ، لماذا يتطاير الوقت عندما تكون مستمتعاً ، ولماذا يمشي بتثاقل رهيب عندما تشعر بالملل؟
كيف يدرك الدماغ الزمن و يفهمه معتمداً في هذه العملية على توقعاته ؟
يقول الدكتور مايكل شادلين Dr. Michael Shadlen ، عالم الأعصاب من جامعة كولومبيا ، مركز إيرفينغ الطبي في مدينة نيويورك Columbia University Irving Medical Center in New York City في مقالته المعنونة ب [10 أشياء تعلمناها عن الدماغ في 2018] :
" يمكن للدماغ أن يستعرض احتمالية أن شيئاً ما على وشك الحدوث ، على الرغم من عدم حدوثه بعد " .
و يوضح شادلين Shadlen لمجلة العلوم الحية Live Science ذلك بقوله : " إن لكل فكر "آفاق horizons " مختلفة و متنوعة"
و يتابع شادلين شرحه قائلاً أنه و في كتاب ما ، على سبيل المثال ، تقع الآفاق في نهاية كل مقطع ، و نهاية كل كلمة ،كما أنها (الآفاق) تكمن في نهاية الجملة التالية وهكذا.
إذ إن الوقت يتحرك وفقاً لكيفية توقعنا لهذه الآفاق.
و يضيف الدكتور شادلين Shadlen أنه عندما تكون منهمكاً و مستغرقاً في شيء ما بشكل حقيقي
يقوم الدماغ بتوقع المعنى العام، "الصورة الكبيرة" "Big picture"، كما أنه يتصور كلاً من الأفق القريب والبعيد ، مما يجعل الوقت يبدو وكأنه يرفرف.
و بالمقابل فإنك عندما تشعر بالملل و السأم ،فإنك تقوم بتوقع الآفاق الأقرب تماماً مثل نهاية الجملة بدلاً من نهاية القصة
حيث تكون هذه الأفق ليست متماسكة مع بعضها ككل واحد، و ليست متراكبة في نسيج متماسك معاً، و هكذا يزحف الوقت زحفاً بطيئاً .
و يقول شادلين أنه لا يوجد هناك مكان واحد في الدماغ مسؤول عن كيفية إدراك الوقت بهذه الطريقة.
وبدلاً من ذلك ، فمن المرجح أن أي مجال من شأنه أن يثير التفكير والوعي مرتبط بهذه المهمة .
التوقيت في الدماغ!!
و يضيف جو باتون Joe Paton ، عالم الأعصاب في مؤسسة تشامباليمود the Champalimaud Foundation ، وهي مؤسسة خاصة للبحوث الطبية الحيوية في البرتغال ، قائلاً:
" إنه لمن المؤكد -تقريباً- وجود العديد من آليات و تقنيات للتوقيت في الدماغ ".
( إن هذه التقنيات الذاتية للتوقيت لا علاقة لها بالإيقاع اليومي circadian rhythms ، أو كيفية ارتباط أجسامنا بدوران كوكبنا مدة 24 ساعة).
ووجد باتون Paton وفريقه -في تجربة على القوارض- أن إحدى هذه التقنيات تتضمن السرعة التي تقوم بها خلايا الدماغ بتنشيط بعضها البعض ، وتشكيل شبكة عند قيامك بنشاط ما. وكلما كانت مسارات العصبونات أسرع ، كلما أسرعنا في إدراك الوقت .
و هناك آلية أخرى ترتبط بالمواد الكيميائية في الدماغ.
ومرة أخرى ، اكتشف باتون Paton وزملاؤه أن هناك مجموعة من الخلايا العصبية في القوارض rodents التي تقوم بإطلاق و تحرير ناقل عصبي neurotransmitter و هو الدوبامين dopamine - وهو مادة كيميائية مهمة تشارك في الشعور بالمكافأة– و الذي يؤثر على كيفية إدراك الدماغ للوقت.
فعندما تستمتع ، تكون هذه الخلايا أكثر نشاطاً و حيوية ، وتطلق الكثير من الدوبامين dopamine، ويرى دماغك أن وقتاً أقل قد مر بالفعل.
أما عندما لا تستمتع ، فلا تطلق هذه الخلايا الكثير من الدوبامين ( يطلق عليه أيضاً هرمون السعادة) ، و بذلك يبدو وكأن الوقت يمر ببطئ .
و يقول باتون Paton بهذا الخصوص أنه لايوجد سبب واضح لعدم كون أدمغتنا دقيقة بشكل منهجي عند تتبع الوقت.
و لكن من الممكن أن يكون لها ميزة تطورية . و يصرح باتون Paton لـمجلة العلوم الحية Live Science قائلاً :
" إن الحياة هي نوع من سلسلة من القرارات التي يجب أن تتخذها – هل يجب أن أبقى أو هل علي أن أذهب - ".
و يمكن لهذا الشعور الداخلي بالوقت أن يساعد الحيوانات في تحديد متى يكون مجزياً البقاء في مكان ما.
الدماغ هو من يصيغ الذاكرة (أحداث الماضي)
و هنا يستدرك الدكتور ديفيد إيجلمان Dr. David Eagleman ، وهو أستاذ مساعد في علم النفس والصحة العقلية العامة وعلوم السكان في جامعة ستانفورد Stanford University قائلاً :
" ولكن عندما تنظر إلى الوراء في الزمن ، فإن المدة الزمنية المدركة لحدث ما تشمل الطريقة التي على أساسها صاغ الدماغ بها الذاكرة " .
و يضيف " إن شبكات الخلايا العصبية و التي ترمز إلى ذاكرة جديدة هي أكثر كثافة مما هي عليه في شيء غير مبتكر أو غير جديد . وعندما تنظر إلى الوراء ، فإن هذه الشبكات الأكثر كثافة تجعل الأمر يبدو كما لو أن تلك الذاكرة استمرت لفترة أطول. " .
و على حسب قول إيجلمان Eagleman أنه ، إذا كنت تتذكر رحلة جوية طويلة ، و لكنك دائماً ما تقوم برحلات طويلة ، فقد تتذكر أنها تسير بسرعة أكبر مما كانت تبدو عليه في ذلك الوقت ،و ذلك لأن دماغك لم يصنع الكثير من الذاكرة، على سبيل المثال .
وفضلاً عن ذلك ، كما يقول إيجلمان Eagleman مصرحاً للعلوم الحية Live Science :" يبدو أن الوقت يتسارع كلما تقدمت في العمر ،".
فعندما تكون طفلاً ، يبدو كل شيء مبتكراً و جديداً، وبالتالي يضع دماغك الشبكات العصبية الكثيفة لتَذَكُّر تلك الأحداث والتجارب.
وكشخص بالغ ، فلقد رأيت أكثر من ذلك بكثير ، لذلك فإن هذه الأحداث لا تحفز خلق مثل هذه الذكريات. لذا ، عندما تنظر إلى سنواتك و أنت صغير فإنك تقول : " أين ولى ذلك الوقت؟".
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
إدارة الوقت : كيف تدير وقتك و تتعلم أشياء جديدة كل يوم
شكرا لكم علي المعلومات
الآنسة Amal AL Dossary
ممتنين جداً لتواجدك في فضاء موقعنا ، و نأمل أن نكون على قدر مسؤولية إيصال المعلومة الصحيحة و المفيدة. نتمنى منك دوام المتابعة، وكما أننا نكبر بقرائنا و متابعينا الأعزاء، نرجوا أن تزودينا بأي ملاحظة.