تتصدر بعض الأمراض العناوين الرئيسية في صحفنا اليومية ، تاركةً قلوبنا تعتصر من الألم ، و غالباً ما تحض الكثير من أحداثها إلى جمع الكثير من التبرعات . وهناك أمراض أخرى كمرض الكلى ، والذي يعيث خراباً و فساداً في الجسم على نحو صامت . ففي الولايات المتحدة وحدها يصيب مرض الكلى المزمن أكثر من 26 مليون شخص ، مما يعرضهم لخطر كبير لأمراض خطيرة أخرى ، كأمراض القلب مثلاً . و يعاني ما يقرب من نصف مليون شخص من مرض الكلى في مراحله المتأخرة ، وهي حالة مدمرة غالباً ما تتطلب الغسيل الكلوي أو الزرع. و تقوم ميديكير Medicare بإنفاق أكثر من 30 مليار دولار سنوياً على رعاية مرضى الفشل الكلوي - وهو ما يقدر بحوالي 6% من ميزانية الرعاية الطبية.
ربما السر في الجينات..
وفي حين أن مرض الكلى منتشر على نطاق واسع ، فإنه يؤثر بشكل متباين على بعض السكان: فالأفارقة الأمريكيون مثلاً وغيرهم من السلالة الأفريقية الحديثة أكثر عرضة للإصابة بالفشل الكلوي بما يزيد عن ثلاثة أضعاف أكثر من أولئك المنحدرين من أصول أوروبية. ويشكل الأمريكيون من أصل أفريقي 35% من جميع المرضى الذين يقومون بغسيل الكلى ، و ذلك على الرغم من أنهم لا يمثلون سوى 13% من سكان الولايات المتحدة. و يعزى بعض هذا التفاوت إلى الأسباب الأكثر شيوعاً لأمراض الكلى و منها مرض السكري diabetes وارتفاع ضغط الدم ، وكلاهما الأكثر انتشاراً بين الأمريكيين الأفارقة. و لكن هناك أدلة متزايدة على أن الجينات قد تلعب أيضاً دوراً مهماً في هذا المرض. حيث اكتشف باحثون في المركز الطبي بيث إسرائيل ديكونيس بوسطن Boston’s Beth Israel Deaconess Medical Center (BIDMC) بالإضافة إلى أماكن أخرى أن هناك اختلافين شائعين في جين يسمى بروتين أبوليبوبروتين (APOL1) apolipoprotein L1 و هما مسؤولان عن زيادة القابلية للإصابة بأشكال عديدة من أمراض الكلى غير المرتبطة بداء السكري بين الأميركيين الأفارقة.
ويحمل ثلاثون في المائة 30% من الأميركيين الأفارقة هذه الطفرات الخاصة ، و على امتداد التاريخ البشري الطويل ، كان هذا يخدمهم بشكل جيد: إذ أن هذا النمط الجيني هو في الواقع نوع وقائي ضد مرض يطلق عليه اسم "مرض النوم الأفريقي"
African Sleeping Sicknessو الذي تسببه أشكال معينة من المثقبيات الأفريقية
African trypanosomes. و ينتقل مرض النوم الإفريقي عن طريق ذبابة التسي تسي ، وهو أمر شائع في مناطق شرق أفريقيا ، و من الممكن أن يسبب الحمى وفقر الدم والموت نتيجة الأمراض العصبية. و في حين أن هذه المتغيرات قد تكون ذات فائدة لبعض السكان الذين يعيشون في أفريقيا وتعرّضهم لذبابة التسي تسي ، إلا أن الاختلاف الجيني في الولايات المتحدة ذو فائدة طفيفة ويحمل مخاطر كبيرة ، لا سيما أنه لا يوجد علاج لأمراض الكلى .
إلى الآن ... العلاج فقط لإبقاء المرضى على قيد الحياة مدة أطول
و يوضح مارتن بولاك Martin Pollak ، رئيس قسم أمراض الكلى في BIDMC " ذلك في قوله : " لدينا علاجات مثل غسيل الكلى وزرع الكلى لإبقاء أولئك الذين يعانون من أمراض الكلى المتقدمة على قيد الحياة لفترة أطول ، ولكن ليس لدينا أي علاج آخر ". ويضيف : " هناك أقل من 40% من المرضى الذين يخضعون لغسيل الكلى يعيشون أكثر من خمس سنوات". وفي البلدان النامية ، غالباً ما تكون هذه العلاجات باهظة التكلفة لدرجة لا تسمح بتوافرها. و يأمل بولاك Pollak أن يكون اكتشاف- APOL1 وهو جزء من البحث الذي أكسبه الانتخابات في الأكاديمية الوطنية للعلوم المرموقة National Academy of Sciences - سيساعد في تمهيد الطريق نحو الوقاية والعلاج من هذا المرض.
ولهذه الغاية ، يستخدم الباحثون في المركز الطبي BIDMC- و هم من أفضل الباحثين المتخصصين في أمراض الكلى و الفشل الكلوي في العالم - كل أداة علمية لهم حق التصرف فيها . و يقومون بتطوير نماذج للإنسان و الفأر والأسماك و ذلك لفهم علم الوراثة وعلم الأحياء الخلوي والكيمياء الحيوية لعمل APOL1 في الكلية بشكل أفضل . كما يحاول بولاك وفريقه أيضاً فهم سبب كون بعض ناقلات طفرات APOL1 أكثرعرضة للإصابة بأمراض الكلى من غيرها. حيث يقول مصرحاً : " إن ذلك قد يعطينا بعض الأدلة حول كيفية معالجة الحالة بشكل أفضل".
و فيما يتعلق برعاية المرضى ، بدأت أبحاثهم بالإبلاغ عن الممارسة السريرية. وعلى نحو متزايد ، يناقش الأطباء مزايا الفحص الجيني و وتقديم المشورة لأولئك الذين هم أكثر عرضة لخطر حمل طفرة جين APOL1. ومع ذلك ، تبقى الفائدة من هذا الاختبار غير واضحة حتى يتم معرفة المزيد عن كيفية الوقاية من هذا النوع من المرض وعلاجه ،. وبناءً على هذا العمل ، يبقى الأمل قائماً بأن هناك وسائل محددة لمنع وعلاج أمراض الكلى المرتبطة بالجين APOL1 سيتم تطويرها وتنفيذها في السنوات المقبلة.
يأمل العلماء .. أن يكون مرض الكلى -قريباً- حالة قابلة للعلاج
و يقول بولاك Pollak : " إننا نريد أن نضع تقسيمنا الخاص بعيداً عن العمل و ذلك من خلال منع هذا المرض في بدايته ." و يتابع : " إننا نود -و بشكل مختصر- تطويرعلاجات تسمح للأشخاص المصابين بأمراض الكلى بالتعايش معها كمرض مزمن " . و يُكمِل بولاك شرحه بقوله : " إنه وحتى وقت قريب ، كان مرض الكلى يشبه إلى حد كبير فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب / الإيدز في الثمانينيات - وهو مرض رهيب دمر حياة الناس و أربك و حيّر الباحثين الطبيين الحيويين . وبمجرد التعرف على الكائن المسبب للمرض ، وهو فيروس نقص المناعة البشرية ، تم تطوير مركبات من الأدوية ، والتي قامت بقمع الفيروس بشكل فعال".
و يشرح متماً قوله : " ومع اكتشاف الجين APOL1 ، فإن هذا النوع الرئيسي من الفشل الكلوي لديه الآن سبب ، ويمكننا تطوير علاجات موجهة لإصلاح المشكلة السببية " ، و يختم بولاك موضحاً : " إننا و من خلال فهم أكثر وضوحاً للوراثة الأساسية ، نأمل أن يكون مرض الكلى قريباً كمرض الإيدز - حالة قابلة للعلاج , و يمكن للناس أن يعيشوا فيها حياة طويلة و ملؤها النشاط " .
الفشل الكلوي : انفراجة في فهم علم الوراثة للقاتل الصامت ووعد بالعلاج بقلم: ديباك شوبرا Deepak Chopra ، دكتوراه في الطبMD
و زميل في الكلية الأمريكية للأطباء FACPومارك ل. زيدل Mark L. Zeidel دكتوراه في الطب M.Dالمصدر