أثبتت الدراسات التي تم إجراءها على الأشخاص الذين يعانون من القلق anxiety أن قدرتهم على الهرب والفرار من تهديدات الخطر غير الوشيكة أكبر من الأشخاص العاديين بدرجة كبيرة.
الخوف المبرر مقابل القلق
فالقلق والخوف fear هما استجابة طبيعية للخطر وموجودة لدي الجميع ولكن الاختلاف بالنسبة للأشخاص العاديين يكمن في التوقيت الذي يظهر فيه الخطر.
فالشخص العادي عندما يتعرض لخطر أو تهديد يتمثل في رؤيته لنمر يقفز من فوق السياج قادما نحوه، عندها يشل تفكيره ويحتاج لخطة للتفكير في هذا التهديد المتجه هل الجري أو الاختباء هو الحل، على العكس تماما من الأشخاص القلقين الذين لا يحتاجون لهذا الوقت في التفكير ويسرعون بالفرار.
وفق ما صرح به عالم الاعصاب الإدراكي دين موبس Dean Mobbs من جامعة كالتيك Caltech في بحثه، الذي ظهر على الإنترنت في 20 مايو/أيّار 2019 في مجلة "سلوكيات الإنسان الطبيعية" Nature Human Behavior .
والذي كان بعنوان " كيفية تفاعل أدمغة الأفراد مع كل من الصيام (القائم على الخوف) والبطء (القائم على القلق) في مهاجمة التهديدات"،
وقد أشارت النتائج إلى أن الأشخاص سواء كانوا قلقين أم لا يستجيبون للتهديدات بالطريقة ذاتها وهي الركض، ولكن عندما يتعلق الأمر بإبطاء التهديدات فإن مستوى القلق لدى الأشخاص يكون هو العامل الأساسي، فكلما زاد قلقهم كلما اسرع هؤلاء الأشخاص في الفرار من المواقف التي تسبب لهم هذا خطر.
بالإضافة إلى ذلك يقول "دين موبس" أيضاً أنه في حالة إخبار شخصٍ قلقٍ بوجود نمر في المبنى الموجود به فإنه سيطلب إخراجه من هذا المبنى فوراً، وقد فسر " دين" هذا الأمر بأن الأشخاص القلقين يظهرون نشاطاً أقوى وأسرع داخل دوائر القلق في أدمغتهم في المواقف التي تشكل تهديدات بطيئة الهجوم low attacking threats.
دوائر القلق و الخوف في الدماغ البشري
لم تقتصر دراسات موبس وزملائه على هذا الأمر فقط بل امتدت إلى إثارة دوائر الخوف و القلق fear and anxiety circuits في الدماغ البشري human brain ، حيث قام موبس بجمع مجموعة من المشتركين وأجرى عليهم تجربة بسيطة للتعرف على تأثير القلق على الدماغ بشكل أفضل.
حيث قام موبس بجمع عدد من المشتركين وطلب منهم لعب لعبة فيديو افتراضية "المفترس الافتراضي" virtual predator ، وقد كان الهدف منها هو الهروب من وحوش افتراضية مفترسة ، وفي نفس الوقت، يتم توصيل جهاز تصوير وظيفي للرنين المغناطيسي functional magnetic resonance imaging machine يكون الهدف منه قياس نشاط الدماغ أثناء اللعب، حيث يحاول المشتركين الهروب من الحيوانات المفترسة وتزداد الاموال التي يكسبونها عندما ينتظرون فترة طويلة قبل أن تقبض الحيوانات عليهم (بتلقي صدمة كهربائية في اليد).
ومن خلال هذا البحث تم التوصل إلى أن هذه التهديدات السريعة أدت إلى ردود فعل في دائرة الخوف fear circuit التي تقع في الجزء المركزي من الدماغ المسمى القشرة متوسطة الحجم، والجزء المقابل لها الردود التي تقع في مقدمة الدماغ في دوائر القلق والتي تتكون من الهيبوكامبوس الحصين hippocampus، إلى جانب القشرة الحزامية الخلفية posterior cingulate cortex التي تختص بالذاكرة والتفكير في المستقبل، وقشرة الفص الجبهي البطنية ventromedial prefrontal cortex المسئولة عن اتخاذ القرارات وتقييم المخاطر المحيطة بالفرد.
وفي نفس الدراسة، والتي تم إجرائها على مجموعة أفراد متفاوتين في مستويات القلق لديهم،
وتم التوصل من خلالها إلى أن الاشخاص ذوي مستويات القلق المرتفعة استطاعوا الهروب والنجاة من الحيوانات الافتراضية المفترسة بالمقارنة مع أولئك الأشخاص ذوي القلق الأقل،
وذلك وفق التهديدات البطيئة، على الرغم من أن الموضوعات التي تتسم بالقلق في هذه الدراسات لا تجني الكثير من المال، إلا أنها استطاعت أن تنجو أكثر من مرة، لذلك من المهم إقامة توازن بين المكافآت التي يكتسبها الفرد وبين البقاء على قيد الحياة بسبب تقييم المخاطر المحتملة.
ويقول مؤلف الدراسة بوين فونج Bowen Fung ، وهو باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة في علم الأعصاب العاطفي الحسابي postdoctoral scholar in computational affective neuroscience في جامعة كالتك Caltech:
"إن هذا القلق لا يظهر إلا في المواقف السلبية الطويلة نسبياً ، و أثناء التهديدات البطيئة ، والتي تبدو معقولة ، ولكن هذا هو أول دليل لدينا على ذلك في ظروف بيئية".
و يضيف فونج قائلاً: " إن أحد الأشياء التي أجدها مثيرة للاهتمام بشكل خاص و الذي يقدم بعض الدعم لفكرة " التغلب عليها مع.." هي استراتيجية لتجنب مشاعر القلق - سواء كان الألم الجسدي المتمثل في تمزيق ضماد اليد Band-Aid ، أو العبء العاطفي المتمثل في الاعتراف بالشعور بالذنب admitting guilt ".
وفي النهاية يقول البروفسور دين موبس Dean Mobbs : إن القلق ما هو إلا استراتيجية للتنبؤ تؤدي للوقاية، لأنه يمنحنا الوقت لنتخيل سيناريوهات المستقبل والتخطيط وفقاً لها.